في ظل التقلبات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد الدولي، بات التباطؤ في معدلات النمو ظاهرة لافتة تثير قلق المستثمرين وصانعي القرار على حد سواء.
تشير أحدث التقارير الصادرة عن البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه عامًا صعبًا، مع توقعات بنمو لا يتجاوز 2.3% في 2025، وهو أدنى معدل منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، باستثناء فترات الركود الرسمية. فما الذي يدفع بهذا التراجع؟ وهل يمكن عكس المسار قبل أن تترسخ حالة الجمود؟
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن هذا التباطؤ ليس ظرفيا فحسب، بل يعكس مزيجًا من العوامل الهيكلية والطارئة. أبرزها تصاعد التوترات التجارية، لا سيما بين الاقتصادات الكبرى، والتي ساهمت في تقويض سلاسل الإمداد وتعطيل تدفقات الاستثمار. الرسوم الجمركية المتبادلة، خصوصًا بين الولايات المتحدة والصين، عادت إلى الواجهة مع تزايد السياسات الحمائية، ما أضعف مناخ الثقة في الأسواق.
من جهة أخرى، لعب التضخم العالمي دورًا رئيسيًا في الحد من النشاط الاقتصادي، خاصة في البلدان النامية. فقد أدت أسعار الغذاء والطاقة المرتفعة إلى تقليص القدرة الشرائية للأسر، مما انعكس سلبًا على الاستهلاك المحلي، الذي يعد المحرك الأساسي للنمو في كثير من الدول. ومع محاولات البنوك المركزية كبح التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، ازداد الضغط على الشركات الصغرى والمتوسطة، التي تعاني أصلًا من تراجع السيولة.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رسمت بدورها صورة غير مطمئنة؛ حيث توقعت نموا متواضعًا بنسبة 2.9% فقط للعامين 2025 و2026، مشيرة إلى أن هذا الركود البطيء قد يستمر في غياب إصلاحات شاملة. وحذرت المنظمة من أن السياسات المالية قصيرة الأجل، وإن كانت ضرورية لمواجهة الصدمات، لا تكفي وحدها لتحفيز استثمارات طويلة الأجل أو لخلق فرص عمل مستدامة.
ما يزيد الصورة تعقيدًا هو تفاوت الأثر بين الدول. فالاقتصادات المتقدمة قد تكون قادرة على امتصاص الصدمات بدعم من أدواتها المالية والنقدية، بينما تظل الدول النامية أكثر عرضة للهشاشة. ارتفاع مستويات الدين العام، وانخفاض تدفقات المساعدات والاستثمارات الخارجية، يجعل قدرتها على الصمود محدودة، ما يهدد بموجات جديدة من الفقر والبطالة.
ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا. فبعض الخبراء يرون أن هذه الأزمة قد تفتح الباب أمام إصلاحات هيكلية ضرورية طال انتظارها، مثل تنويع الاقتصادات، وتشجيع التحول الرقمي، والاستثمار في الطاقات المتجددة.
كما أن تعزيز التعاون الدولي، عبر إصلاح النظام التجاري والمالي العالمي، يمكن أن يلعب دورًا محوريًا في كسر حلقة التباطؤ.
تباطؤ النمو في 2025 ليس مجرد رقم سلبي في تقارير الاقتصاد، بل هو مؤشر عميق على اختلالات تحتاج إلى معالجة جذرية.. ما لم تتحرك الدول والمنظمات الدولية بسرعة وبتنسيق فعّال، فإن العالم قد يواجه مستقبلًا اقتصادياً راكدًا، أقل عدالةً، وأصعب تنبؤًا.