عاجل
-‎تونس تسجّل عجزًا تجاريًا قياسيًا يتجاوز 11,9 مليار دينار في نهاية جويلية 2025- ‎رحيل فاضل الجزيري... وداع مؤثر لعملاق المسرح والفن التونسي
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
شيفرة المجتمع

‎نساء في حقول الموت ضحايا الخبز المر: العاملات الفلاحيات في تونس.. بين التهميش والخطر اليومي

16 Jul 2025
الاقتصاد التونسي


‎في عمق الريف التونسي، تستفيق آلاف النساء قبل شروق الشمس، تودّع إحداهن أبناءها، تُعدّ شيئًا بسيطًا من الزاد، ثم تنطلق في رحلة يومية محفوفة بالخطر نحو الحقول.. تلك الرحلة ليست فقط بحثًا عن لقمة العيش، بل عن البقاء.
‎عاملات الفلاحة في تونس، وهنّ يشكّلن ما بين 62 و80 في المئة من اليد العاملة في القطاع الزراعي، يواجهن ظروفا قاسية ومزرية، من ضعف الأجور، وغياب التغطية الصحية والاجتماعية، إلى التنقل في ما صار يُعرف شعبيًا بـ"شاحنات الموت".
‎العمل في الظل.. تعبٌ كثير وأجر زهيد
‎وفق بيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن 92 في المئة من العاملات في القطاع الفلاحي يتقاضين أجورًا لا تتجاوز الحد الأدنى المضمون، بينما لا تحظى النسبة نفسها بأي تغطية اجتماعية.
‎الأجر اليومي الرسمي الذي حدده الأمر الحكومي عدد 768 لسنة 2022 يبلغ 17.664 دينارًا (حوالي 5.7 دولار)، لكن الواقع أكثر قسوة؛ فالكثير من العاملات يتقاضين بين 12 و15 دينارًا يوميًا مقابل أكثر من 10 ساعات عمل في اليوم، أي ما يعادل أقل من 130 دولارًا في الشهر.
‎شاحنات الموت.. نزيف مستمر وحصاد مرعب من الضحايا
‎رغم صدور القانون عدد 51 لسنة 2019، الذي ينصّ على تنظيم نقل العمال والعاملات في القطاع الزراعي، إلا أن الدولة لم تفعّله بجدية، وما زالت الشاحنات المخصصة أصلا لنقل البضائع، تُستخدم بشكل عشوائي لنقل النساء إلى الحقول، ما يجعل كل رحلة عملا محفوفا بالموت.
‎في بداية عام 2024 وحتى منتصفه، تم تسجيل 5 حوادث متعلقة بنقل العاملات، أسفرت عن وفاة 3 نساء، وإصابة أكثر من 70 أخريات، بعضهن أصبن بإعاقات دائمة أو فقدن البصر.
‎في محافظة القيروان وحدها، وقعت 3 حوادث خلال شهر واحد.. حادث في الوسلاتية أدى إلى وفاة عامل وجرح 13 امرأة، ثم حادث آخر في السبيخة أودى بحياة فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، كانت في طريقها لقطف الطماطم، وحادث بوحجلة الذي خلّف 8 إصابات.. والنزيف متواصل إلى الآن.
‎منذ سنة 2015، وثّق المنتدى 79 حادث سير متعلقًا بشاحنات النقل الفلاحي، أسفر عن مقتل 62 شخصًا وإصابة 915 امرأة، دون أي تغيير جوهري على أرض الواقع.
‎غياب الدولة وحضور المناسبات..
‎ما يزيد الطين بلّة، أن كل ردود فعل السلطات كانت في أحسن الأحوال مناسباتية، فالدولة لا تملك إحصاءات دقيقة حول عدد العاملات في القطاع الزراعي، وتُرجع ذلك إلى "طبيعة النشاط الموسمي".. ومع ذلك، تقديرات المجتمع المدني تشير إلى وجود أكثر من نصف مليون امرأة عاملة في الحقول.
‎وتقول سارة بن سعيد، المديرة التنفيذية لجمعية "أصوات نساء"، إن غياب الهيكلة الرسمية للقطاع الفلاحي وعدم تفعيل القوانين جعلا العاملات في وضع هش.. وأضافت: "الدولة لا تضع ميزانيات لتفعيل القوانين التي تصدرها تحت ضغط الشارع والمجتمع المدني، كما لا توفر أي رقابة فعلية على الشاحنات التي تنقل النساء يوميا في ظروف مهينة وخطيرة".
‎العاملات بين الفقر والواجب..
‎تقول "حياة"، شابة من محافظة سيدي بوزيد، إنها تعمل في الفلاحة منذ عشر سنوات لتستطيع دفع تكاليف علاجها المزمن.. “لا تأمين، لا تغطية، ولا حتى اهتمام. نعمل من أجل لقمة الخبز والدواء، ونموت بصمت إن لزم الأمر، فلا أحد يهتم بنا”.
‎قصتها تتكرر في جندوبة، القيروان، الكاف، سيدي بوزيد، ومدن وقرى عديدة، حيث تظل المرأة الريفية العمود الفقري للأمن الغذائي في تونس، لكنها أكثر من يُهمّش.
‎ما المطلوب الآن؟
‎تفعيل القوانين الموجودة، وخصوصًا القانون عدد 51 لسنة 2019.
‎إطلاق خطة نقل فلاحية وطنية تراعي السلامة والكرامة.
‎إجبار الفلاحين والوسطاء على التصريح بالعاملات وتمتيعهن بالحقوق الأساسية.
‎مضاعفة الحد الأدنى للأجور الزراعية ليتناسب مع تكاليف الحياة في تونس.
‎توفير تغطية صحية شاملة للعاملات في الفلاحة، باعتبارهن فاعلات في قطاع حيوي.
‎عاملات الفلاحة في تونس لا يطلبن امتيازات، إنهن يطلبن فقط الحق، الاحترام، الحياة بكرامة، والأمان على الطريق إلى العمل، والعودة منه بسلام.


1,245 مشاهدات