منذ صعوده إلى المشهد السياسي، لم يكن دونالد ترامب شخصية اعتيادية ضمن النظام الديمقراطي الأمريكي، لكن ما يثير القلق في هذه المرحلة من مسيرته هو التحوّل الملحوظ في نمط إدارته نحو ما يمكن وصفه بـ"السياسة على الطريقة المافيوية".
هذه السياسة تقوم على الولاء الشخصي، النكايات السياسية، وإضعاف المؤسسات، وهو ما يشبه إلى حد بعيد أساليب العصابات المنظمة، كما وصفتها Vanity Fair مؤخراً.
ما يجعل هذا النمط مثيراً للقلق ليس فقط تفرده، بل أثره العميق في بنية الحكم الأمريكية. ترامب لا يتعامل مع الحكومة كمؤسسة قائمة على القواعد، بل كمجموعة من الأتباع يتوجب عليهم الولاء المطلق لشخصه. لا مكان في هذه المعادلة للخبرة، أو حتى للكفاءة، بقدر ما هناك أهمية للطاعة والتمسك بالسردية التي يفرضها.
في قلب هذا النهج نجد تهميشاً متزايداً للبيروقراطية، تشكيكاً متعمداً في نتائج الانتخابات، واستعداءً مستمراً للصحافة والقضاء، وهي دعائم لطالما مثّلت جوهر النظام الديمقراطي الأمريكي. الأخطر من ذلك هو كيف يتفاعل هذا النمط مع البيئة السياسية الحالية التي تتسم باستقطاب حاد ولامبالاة متزايدة من قبل قطاعات من الناخبين تجاه مبادئ الديمقراطية التعددية.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل أن هذا النمط يجد أرضاً خصبة لدى جمهور يائس، يشعر بأن النخبة تجاهلته لعقود. لذلك، فإن تفسير هذا التحول لا يكمن فقط في شخصية ترامب، بل أيضاً في السياق الاجتماعي والاقتصادي الأوسع.
تبقى المسألة المحورية هي: هل يتجه النظام الأمريكي إلى إعادة تعريف الديمقراطية بمعايير القوة الشخصية والانتصار على "الخصم"، أم أن المؤسسات ستصمد أمام هذه الموجة من التسلط الناعم؟