عاجل
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
تونس

‎زيارة المنفي إلى تونس: بين رسائل الإقليم ومخاوف الحدود

19 Aug 2025
الاقتصاد التونسي


‎في توقيت لا يخلو من الدلالة، حلّ رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد يونس المنفي بتونس في زيارة عمل، كانت رسائلها واضحة في ظاهرها: دعم التعاون، وتأكيد الأخوّة، وتوحيد المواقف.
‎غير أن القراءة ما بين السطور تكشف أبعادًا أعمق تتجاوز المجاملات الدبلوماسية والمراسم البروتوكولية.
‎فالزيارة تأتي في ظرف إقليمي يتّسم بتصاعد التوترات، وتنامي الهواجس الأمنية على طرفي الحدود الليبية–التونسية. من جهة، تشهد ليبيا تجاذبات داخلية حادة بين الفاعلين السياسيين والعسكريين، وسط انسداد سياسي يُنذر بعودة الفوضى. ومن جهة أخرى، تتوجّس تونس من أيّ ارتدادات محتملة قد تطال أمنها الحدودي، خاصة في ظل تحركات مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة الليبية الرسمية.
‎الرئيس قيس سعيّد شدّد، في لهجة حاسمة، على أن "أمن تونس من أمن ليبيا"، وهي عبارة قد تبدو مألوفة في الخطاب السياسي، لكنها هذه المرة تعبّر عن قلق صريح من إمكانية تكرار سيناريو الفوضى الذي عرفته الحدود سنوات 2011 و2014.
‎لذلك، فإن الزيارة لا تخلو من بعد أمني بامتياز، هدفه الأساسي تنسيق المواقف والضغط من أجل استقرار داخلي ليبي يُجنّب تونس كلفة التفكك.
‎في السياق ذاته، يلاحظ أن تونس ما تزال متمسكة بموقفها المبدئي الرافض لأي تدخل أجنبي في ليبيا، وهو ما أكده سعيّد بوضوح، معتبراً أن الحل لا يمكن أن يكون إلا "ليبيًا – ليبيًا". هذه الرسالة لا تُوجه فقط إلى الأطراف الدولية المتدخلة في الشأن الليبي، بل أيضًا إلى الفاعلين داخل ليبيا أنفسهم، الذين قد يسعون إلى جرّ تونس إلى محاور إقليمية أو اصطفافات سياسية لا تخدم استقرارها.
‎من جهة أخرى، لا يمكن فصل هذا اللقاء عن التنسيق في ملفات إقليمية أوسع، أبرزها القضية الفلسطينية، حيث بدا واضحًا تقاطع المواقف بين الجانبين في إدانة جرائم الاحتلال ودعم المقاومة الفلسطينية. وهو ما يشير إلى رغبة الطرفين في بلورة خطاب مشترك أكثر استقلالية تجاه القضايا الكبرى في المنطقة.
‎في النهاية، تبدو زيارة محمد المنفي إلى تونس زيارة رمزية في ظاهرها، لكنها سياسية–أمنية في عمقها، تحمل رسائل تطمين، لكنها في الوقت ذاته تطرح تحديات حقيقية على طاولة الجانبين. فتثبيت الاستقرار على الحدود، وضمان التنسيق الأمني، ودفع التعاون الاقتصادي، أصبحت أولويات لا تقبل التأجيل.
‎ وفي ظل مشهد ليبي هشّ، تبقى تونس مطالَبة أكثر من أي وقت مضى، بالتحرك بحذر، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي دون السقوط في فخ الاصطفاف.


1,245 مشاهدات