في تحول دراماتيكي أعاد التوتر إلى الساحة الاقتصادية العالمية، أعادت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية مشددة على واردات من اليابان، الاتحاد الأوروبي، والبرازيل.
هذه الإجراءات، التي تأتي تحت شعار "أمريكا أولًا" ، أثارت قلقًا واسعًا لدى الحلفاء، وأعادت إلى الأذهان أجواء الحرب التجارية التي عاشها العالم خلال ولاية ترامب الأولى (2017–2021).
لكن ما يميز هذه الموجة الجديدة هو أنها لم تستهدف خصوم أمريكا، بل حلفاءها التقليديين، مما يفتح الباب أمام تحولات جوهرية في التحالفات الاقتصادية الدولية.
جذور الأزمة
منذ عودته للبيت الأبيض، تبنّى ترامب نهجًا أكثر عدوانية تجاه الميزان التجاري الأمريكي، معتبرًا أن أي عجز تجاري هو دليل على "خيانة اقتصادية" من الطرف الآخر، حتى لو كان حليفًا..
الرسوم الأخيرة شملت:
25% على واردات السيارات من اليابان وألمانيا.
15% على الفولاذ البرازيلي.
ضرائب إضافية على منتجات زراعية أوروبية..
البيت الأبيض يبرر هذه الإجراءات بأنها لحماية الصناعات الأمريكية، لكن اقتصاديين يرون أنها خطوة شعبوية تهدف لتعزيز الدعم المحلي قبل انتخابات 2026 النصفية.
ردود الفعل الدولية
اليابان وصفت القرار بأنه "ضربة سياسية غير مبررة"، خاصة في ظل اتفاقات سابقة لتقاسم الأعباء الدفاعية والاقتصادية.
الاتحاد الأوروبي هدد بإجراءات انتقامية تشمل قطاع التكنولوجيا الأميركي (آبل، أمازون، وغيرها).
أما البرازيل، فوصفت الرسوم بأنها "ابتزاز سياسي" في ظل علاقات كانت توصف سابقًا بـ"الودية" بين ترامب والرئيس السابق بولسونارو.
منظمة التجارة العالمية عبّرت عن "قلق بالغ من تآكل قواعد التجارة الدولية"، محذرة من أن العودة إلى الحروب الجمركية ستضر بالنمو العالمي الهش..
من المستفيد من التوتر؟
الصين، التي أصبحت أكثر انفتاحًا على الشراكات الاقتصادية مع أوروبا والبرازيل في مواجهة العزلة الأمريكية.
الهند وتركيا، اللتان تعرضتا لضغوط اقتصادية أميركية سابقًا، وتجدان الآن فرصة لإعادة التموقع.
التحالف الأوروبي الآسيوي الذي بدأ في الحديث عن تسريع اعتماد عملة بديلة في التبادلات التجارية لتقليل الاعتماد على الدولار.
هل تنفصل أمريكا عن النظام الاقتصادي الذي صنعته؟
ما يثير الدهشة أن هذه الحرب التجارية لا تستهدف خصوم واشنطن التقليديين، بل شركاءها الأساسيين في النظام الليبرالي العالمي الذي ساهمت أمريكا نفسها في تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية.
السياسات الترامبية تهدد هذه المنظومة من الداخل، وتجعل من التحالفات الاقتصادية علاقات مؤقتة خاضعة للانتخابات والسياسة الداخلية الأمريكية.
كما أن هذه الرسوم تهدد بدفع الحلفاء إلى تطوير بدائل استراتيجية، ليس فقط في التجارة، بل في الأمن والتكنولوجيا وحتى العملة.
سياسات ترامب التجارية لم تعد مجرد وسيلة ضغط على الخصوم، بل أصبحت سلاحًا موجهًا أيضًا نحو الأصدقاء.
هذا التحول يُعيد تشكيل خريطة العلاقات الدولية، ويثير تساؤلات جدية:
هل بدأت أمريكا تفقد مكانتها كقائدة للنظام الاقتصادي العالمي؟ وهل سيتقبل العالم نظامًا يتغير كل أربع سنوات وفق مزاج رئيسه؟
الأكيد أن الرسوم التي تفرضها أمريكا اليوم قد تُفرض عليها غدًا، وهذه هي المعادلة الجديدة في عالم يتغير سريعًا.