عاجل
BTC: $45,230 (+2.3%) ETH: $3,180 (-1.2%) الدينار التونسي: 3.15 دولار النفط: $82.45 (+0.8%) الذهب: $1,950 (-0.5%)
شيفرة السياسة

‎أسطول الصمود العالمي يثير الجدل من تونس إلى غزة: بين الحُلم الإنساني والدعم الشعبي والتشكيك والرهانات الجيوسياسية

12 Sep 2025
الاقتصاد التونسي


‎منذ لحظة إعلان انطلاق "أسطول الصمود العالمي" من تونس باتجاه غزة، تشكّلت حالة استثنائية من التفاعل الشعبي والسياسي، في الداخل التونسي كما في الأوساط الدولية..
‎ الحدث، ورغم طابعه الرمزي والإنساني، لم يخلُ من الجدل، حيث تباينت المواقف بين داعم يرى فيه خطوة شجاعة لكسر الحصار المضروب على القطاع منذ سنوات، ومشكك في جدواه العملية وقدرته على تحقيق اختراق حقيقي في جدار المنع الإسرائيلي والدولي.
‎ السياق والظروف
‎جاءت مبادرة الأسطول في توقيت بالغ الحساسية، تزامناً مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وارتفاع أعداد الضحايا في صفوف المدنيين، خصوصاً الأطفال والنساء..
‎أمام العجز الرسمي العربي والدولي، برزت الحاجة إلى مبادرات مدنية وشعبية تضغط في اتجاه فتح الممرات الإنسانية، وكان أسطول الصمود أحد أبرز هذه المحاولات.
‎الأسطول يجمع قوافل من أكثر من 44 دولة، تشارك فيه سفن صغيرة ومتوسطة الحجم، انطلقت من موانئ إسبانيا وإيطاليا، مروراً بتونس كنقطة مركزية في البحر الأبيض المتوسط، حيث استُقبل الأسطول بحفاوة شعبية كبيرة، وبتنظيم من تنسيقيات دعم فلسطين ومنظمات حقوقية ومدنية تونسية.
‎ الدعم الشعبي الواسع
‎الاستقبال التونسي للأسطول كان حاشداً ولافتا.. آلاف المواطنين احتشدوا على السواحل والموانئ، حاملين الأعلام الفلسطينية، هاتفين بشعارات داعمة لغزة، ومنددين بالحصار والمجازر التي تطال المدنيين. المشاركة الشعبية لم تكن فقط تعبيراً عن التضامن، بل أيضاً رفضاً ضمنياً لما يُعتبر تواطؤاً دولياً مع الجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
‎هذا الزخم الشعبي ساهم في خلق صورة رمزية قوية، وأعاد تونس إلى واجهة الدعم العربي الشعبي للقضية الفلسطينية، بعد سنوات من تراجع الحضور السياسي الرسمي في هذا الملف. لكن في المقابل، بدأت أصوات أخرى تُبدي تحفظها على الأبعاد العملية للمبادرة.
‎ التحفظات والتشكيك
‎رغم أن الطابع الإنساني للأسطول لا يُمكن إنكاره، إلا أن بعض الأصوات، من محللين وصحفيين وحتى مسؤولين سابقين، عبّرت عن قلقها من عدّة نواحٍ:
‎1. الجدوى العملية: إسرائيل تمتلك سيطرة كاملة على المياه الإقليمية لغزة، وتاريخ الأساطيل السابقة (مثل أسطول الحرية سنة 2010) يثبت أن الجيش الإسرائيلي لن يسمح لأي سفن بالاقتراب من القطاع دون اعتراض.
‎2. سلامة المشاركين: من غير المعروف كيف ستتصرف تل أبيب إذا حاولت السفن اختراق الحصار عملياً، ما يُعرّض المدنيين المشاركين للخطر، خصوصاً في ظل التوتر الإقليمي والقرارات الأمنية الإسرائيلية المتطرفة.
‎3. التبعات الدبلوماسية: قد تتعرض الدول المشاركة، ومنها تونس، لضغوطات دولية أو حتى عراقيل قانونية إذا ما اعتُبر التحرك خروجاً عن المسارات المعترف بها دبلوماسياً أو انتهاكاً للقانون البحري.
‎4. الاختراقات الأمنية: بعض التقارير تحدثت عن اختراقات بطائرات مسيرة أو محاولات تجسس، مما دفع السلطات التونسية لفتح تحقيقات بسرية تامة، في إشارة إلى الحساسية الأمنية التي تحيط بالحدث.
‎ بين الرمز والسياسة
‎ما يُميز "أسطول الصمود العالمي" هو أنه تحرّك يحمل أبعاداً رمزية تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة.. إنه صرخة شعبية عابرة للحدود، يقودها نشطاء مدنيون من مختلف الجنسيات، يجمعهم هدف مشترك: إيصال رسالة إلى العالم بأن الحصار على غزة غير مقبول، وأن السكوت الدولي عليه تواطؤ صريح.
‎لكن هذه الرمزية، رغم أهميتها، لا تكفي لوحدها لتحقيق اختراق سياسي أو إنساني حقيقي.. فالوصول إلى شواطئ غزة، أو حتى الاقتراب منها، يبقى محفوفاً بمخاطر حقيقية. ومع ذلك، فإن القيمة الكبرى للمبادرة تكمن في ما تُثيره من نقاش، وما تُحرّكه من ضمير عالمي، لا في النتيجة الآنية فقط.
‎ ماذا بعد؟
‎إذا نجح الأسطول في الاقتراب من غزة أو فرض تغطية إعلامية وحقوقية واسعة، فإن تأثيره سيكون معنوياً وسياسياً بامتياز، خاصة في كشف الممارسات الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي. أما إذا تعرّض للاعتراض أو القمع، فإن هذه النتيجة بحدّ ذاتها قد تتحوّل إلى وقود إضافي لحملة ضغط دولية متجددة ضد الحصار.
‎على الجانب التونسي، سيكون للحكومة هامش حساس بين احتضان المبادرة شعبياً، وبين تجنّب التصعيد الدبلوماسي مع شركاء أوروبيين أو مع الولايات المتحدة، خاصة إذا رأت بعض الأطراف الدولية أن تحرّك الأسطول يمثل تحدياً لقرارات الأمم المتحدة أو التفاهمات القائمة..
‎أسطول الصمود العالمي وغيره من المبادرات الإنسانية، ليس مجرد قافلة بحرية، بل هو حالة أخلاقية ضاغطة على ضمير العالم، ومبادرة مدنية رمزية تعيد الاعتبار لفعل المقاومة السلمية. وبين الواقعية السياسية والطموح الإنساني، تتحدد قيمة المبادرة لا فقط في قدرتها على الوصول، بل في قدرتها على إعادة فتح النقاش الدولي حول الحصار، وكشف النفاق السياسي الذي يُبرر معاناة الملايين تحت ذرائع الأمن والسيادة.
‎في النهاية، سواء نجح الأسطول في الوصول أم لا، فإن رسالته وصلت: غزة ليست وحدها، والضمير الإنساني لا يزال ينبض، رغم الضجيج.


1,245 مشاهدات